18 - 06 - 2024

تباريح | أصنام

تباريح | أصنام

(أرشيف المشهد)

2-5-2012 | 22:00

يبدو أن هناك حاجة ملحة لإعادة "فلترة" الوعي العام بعد أن امتلأ بالرواسب، شأننا شأن أي أمة لها تاريخ عريق. في الدول الناشئة يُبنَى كل شيء وفقًا لآخر صيحة؛ فترى العواطف والسلوك وتصميم الشوارع وإشارات المرور منضبطة، وكلما زادت عراقة الدولة تراكمت الأزمنة طبقات فوق طبقات.. كلٌّ منها يحمل ملمحًا اجتماعيًّا أو تاريخيًّا، ويطبع نفسه على السلوك العام.

نزار يرى "الحب في الأرض بعض من تخيلنا.. لم لو نجده عليها لاخترعناه"، والمصري بطبعه وتراكم ثقافاته عبر التاريخ يخلق فراعين وأصنامًا من وهمه، كلٌّ على شاكلته.

وحين قدَّس المصريون آل البيت، وأوشكوا أن يدخلوا في شرك أصغر قبل أن يأتي صلاح الدين ليغلق الأزهر مائة عام، لم يكونوا يمارسون غير الطقس الذي مارسوه من قبل مع الفرعون الإله، ربما كان الفراعين العظام أو آل البيت الكرام يستحقون ما منحه المصريون لهم من تبجيل وتوقير، زاد عليه الجهلاء تقديسًا، لكن المستغرب أن يفعلوا ذلك مع أفراد عاديين لا يتميزون بأي شيء، هؤلاء الأفراد ليسوا إلا تلبية لحاجة نفسية عند الناس.

رأينا ذلك فيمن يجعلون المجلس العسكري صنمًا، ويستخدمون حيلًا راسبوتينية، يستخدمون فيها تعبيرات من قبيل "الوطنية المصرية" و"الأمن القومي" و"المصالح العليا" وجيش مصر العظيم" وكأن نفرًا من العسكر أصبحوا أتاتوركات وملهمين، ورأينا ما هو أبشع في تقديس دعاة ووعاظ بعضهم من علماء السلطان السابق مثل محمد حسان، وعمرو خالد، وغيرهم ممن يمارسون تجارة الدين على الفضائيات، ووصلت "الجهالة" بالبعض لأن يسألني: هل أسأت للشيخ حسان؟ أجبني بنعم أو لا؟ وطبعًا تحمل الإجابة بـ"نعم" تكفيرًا، وكأن حسان نبي مرسل، أو رسول يُوحَى إليه.

رأينا الأمر نفسه مع سياسيين مثل الشيخ حازم أبو إسماعيل؛ أحد أتباعه والمهووسين به رآنا ننتقده كما ننتقد كل المرشحين، فأرسل تهديدًا مبطنًا يقول فيه: "نحن لم نبايع الشيخ حازم على الوصول لمقعد الرئاسة، بل بايعناه على الموت .. فاحذر".

هل يحتاج العقل الجمعي المصري إلى كاسحة مجاري حتى يعامل أي إنسان باعتباره بشرًا يؤخذ من كلامه ويرد، يحسن فيصفق الناس لإحسانه، ويسيء فينثر في وجهه التراب على إساءته.. هل طنطاوي وعنان وحازم وحسان أشرف وأتقى ممن وقف يومًا على المنبر قائلًا: "لقد وُلِّيت أمركم ولست بخيركم.. إن أحسنت فأعينوني.. وإن أسأت فقوموني".

ما أفهمه أن عبادة الأشخاص تنتقص من عبادة الله، وخلق أصنام وهمية.. لا يتسق أبدًا مع روح ثورة يناير التي كسرت كل الأصنام.

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان